إن الإهتمام بالقضايا التربوية ومشاكلها ، عرف إهتماماً كبيراً سواء على المستوى المحلي أو العربي ، أو العالمي ، وبذلت فيه جهود كبيرة من طرف العديد من المنظمات الدولية كاليونسكو والإلسكو، وغيرها الكثير من المؤسسات والجمعيات الأهلية والحكومية، وحظيت الجودة الشاملة بجانب كبير من هذا الاهتمام إلى الحد الذي جعل بعض المفكرين يطلقون على هذا العصر عصر الجودة، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لنموذج الإدارة التربوية الجديدة الذي تولد لمسايرة المتغيرات الهائلة على كافة الصعد الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والتربوية والتكنولوجية خاصة، ومحاولة التكيف معها، فأصبح المجتمع العالمي ينظر إلى الجودة الشاملة والإصلاح التربوي باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، بحيث يمكن القول إن الجودة الشاملة هي التحدي الحقيقي الذي ستواجهه الأمم في العقود المقبلة، وهذا لا يعني إغفال باقي الجوانب التي لا بد وأن تواكب سرعة التطور الحاصل على المجالات كلها.
والجودة في التعليم مرتبطة بعمليتي التعلم والتعليم ، وكذلك بالإدارة، وذلك من أجل ربط التعليم بحاجات المجتنع ، وإحداث تغير تربوي هادف ، وبناء وتنمية ملكة الإبداع عند المتعلمين ،ويحدث التعلم عندما يحدث تفاعل بين المتعلم وبيئته ، ونحن نعرف أن التعلم قد حدث عندما نلاحظ أن سلوك المتعلم قد تعدل ، ودورنا نحن أن نتيح الفرصة لحدوث التفاعل كي يحدث التعلم، وهذا يعني توفير كل الشروط والبيئة الصالحة للتعلم ، مما يستوجب وضع معايير للعمليات ، بما يشمل نظام محدد للتأكد من جودة التعليم.
والجودة تكامل لخصائص المنتج ، والتعلم منتج لابد من أن يلبي إحتياجات ومتطلبات محددة ومعروفة ضمناً ،ولذلك فلا بد لهذا المنج من خصائص ومميزات يعبران عن قدرته على تحقيق الأهداف والمتطلبات المتوقعة من متلقي الخدمة، وهذا يلقي بمسؤوليات كبيرة على المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة لتركز أكثر على المهارات المطلوبة.
وقد ظهر مفهوم الجودة الشاملة في الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي ، لتزايد المنافسة العالمية على الصعيد الإقتصادي واكتساح الصناعة اليابانية للعالم، خاصة في اسواق دول العالم الثالث .
ان تعبير الجودة ليس تعبيراً جديداً في ثقافتنا العربية الإسلامية، وخير دليل على ذلك ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم ، تؤكد ذلك ، حيث قال تعالى في كتابه الكريم:
""صنع الله الذي أتقن كل شئ" (النمل ،88).
"وكذلك قال تعالى في محكم تنزيله "انا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (الكهف،30).
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :- "ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه" (رواه مسلم).
ونفهم من ذلك ان الجودة هى الاتقان والعمل الحسن،
أما الجودة الشاملة فهي مفهوم إداري يقصد به:- عملية ترتكز على منظومة قيمية تستمد قدرتها على الحركة وديناميكيتها من البيانات والمعلومات المستمدة من نشاط العاملين بقصد إلإستثمار الأفضل لكل طاقات العاملين وتوظيفها بشكل إبداعي في مختلف مستويات المنظمة التعليمية لصالح أفضل نتاج إبداعي ممكن الوصول إليه.
أو هي :-
عملية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم تستمد طاقة حركتها من المعلومات التي نتمكن في إطارها من تنظيم مواهب العاملين في المنشأة التربوية ، واستثمار قدراتهم الفكرية مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لتحقيق التحسن المستمر.
ويعرف ( رودز ) الجودة الشاملة في التربية بأنها عملية إدارية ترتكز على مجموعة من القيم وتستمد طاقة حركتها من المعلومات التي توظف مواهب العاملين وتستثمر قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي لضمان تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة.
كما وعرفها احمد درياس بأنها " أسلوب تطوير شامل ومستمر في الأداء يشمل كافة مجالات العمل التعليمي، فهي عملية إدارية تحقق أهداف كل من سوق العمل والطلاب ، أي أنها تشمل جميع وظائف ونشاطات المؤسسة التعليمية ليس فقط في إنتاج الخدمة ولكن في توصيلها ، الأمر الذي ينطوي حتما على تحقيق رضا الطلاب وزيادة ثقتهم ،وتحسين مركز المؤسسة التعليمية محليا وعالميا.
ويمكن القول أن إدارة الجودة في التعليم هي منهج عمل لتطوير شامل ومستمر يقوم على جهد جماعي بروح الفريق.
وهي فلسفة إدارية حديثة ، تأخذ شكل أو نهج أو نظام إداري شامل قائم على أساس إحداث تغييرات إيجابية جذرية لكل شيء داخل المؤسسة ، بحيث تشمل هذه التغييرات : الفكر ، والسلوك ، والقيم ، والمعتقدات التنظيمية والمفاهيم الإدارية ، ونمط القيادة الإدارية ،ونظم وإجراءات العمل ، والأداء ، وغيرها.
يعتبر ادوارد ديمنج رائد فكرة الجودة الشاملة حيث طور أربعة عشر نقطة توضح ما يلزم لإيجاد وتطوير ثقافة الجودة ، وتسمى هذه النقاط " جوهر الجودة في التعليم " وتتلخص فيما يلي:-
1- إيجاد التناسق بين الأهداف.
2-تبني فلسفة الجودة الشاملة.
3- تقليل الحاجة للتفتيش .
4- إنجاز الأعمال المدرسية بطرق جديدة.
5- تحسين الجودة ، الإنتاجية ، وخفض التكاليف.
6- التعلم مدى الحياة.
7- ممارسة روح القيادة في التعليم.
8- التخلص من الخوف.
9- إزالة معوقات النجاح.
10- توليد ثقافة الجودة لدى العاملين.
11- تحسين العمليات.
12- مساعدة الطلاب على النجاح.
13- الالتزام.
14- المسئولية.
وحتى يكون للجودة الشاملة وجود في مجال التطبيق الفعلي لا بد من توفر خمسة ملامح او صفات للتنظيم الناجح لإدارة الجودة الشاملة من اجل الوصول إلى جودة متطورة ومستدامة وذات منحنى دائم الصعود ، وهذه الملامح هي:-
1- حشد طاقات جميع العاملين في المؤسسة بحيث يدفع كل منهم بجهده وإبداعه تجاه الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة مع التزام الجميع بما يخصه.
2- الفهم المتطور والمتكامل للصورة العامة، وخاصة بالنسبة لأسس الجودة الموجهة لإرضاء متطلبات "العميل"أو متلقي الخدمة ، والمنصبة على جودة العمليات والإجراءات التفصيلية واليومية للعمل.
3- قيام المؤسسة على فهم روح العمل الجماعي - عمل الفريق - .
4- التخطيط لأهداف لها صفة التحدي والتي تلزم المؤسسة وأفرادها بارتقاء واضح وملموس في نتائج جودة الأداء.
5- الإدارة اليومية المنظمة للمؤسسة- القائمة على أسس مدروسة وعملية - من خلال استخدام أدوات مؤثرة وفعالة لقياس القدرة على استرجاع المعلومات والبيانات ( التغذية الراجعة).
مما سبق يتبين أن الجودة الشاملة في التعليم ، تمثل معايير عالمية لقياس مخرجاته ونواتجه، وهي إنتقال من ثقافة الحد الأدنى ، إلى ثقافة الإتقان والتميز،فهي نقلة بخطى سريعة نحو المستقبل ، وهي ثورة إدارية جديدة، وتطوير لكل وسائل وأساليب العمل
وفي إشارة إلى التعاريف السابقة ، فلم تبتعد عن التعاريف الإجرائية ضمن السياق الفكري الذي نتحدث عنه ، رغم بعض التباينات هنا أو هناك ونورد بعضها للتدليل:-
فقد عرفها المعهد الوطنى الامريكى للمقاييس والجمعية الامريكية لمراقبة الجودة بأنها:"مجموعة من السمات والخصائص للسلع والخدمات القادرة على تلبية احتياجات محددة".
بينما عرفها معهد الجودة الفيدرالى الأمريكى أنها: "أداء العمل الصحيح بشكل صحيح من المرة الاولى مع الاعتماد على تقييم المستفيد فى معرفة مدى تحسن الأداء".
والجودة (طبقا لتعريف منظمة الايزو العالمية) تعني "الوفاء بجميع المتطلبات المتفق عليها بحيث تنال رضاء العميل،ويكون المنتج ذو جودة عالية وتكلفة اقتصادية معتدلة".
ومن منظور العملية التعليمية فالجودة تعني: الوصول الى مستوى الأداء الجيد، وهي تمثل عبارات سلوكية تصف أداء المتعلم عقب مروره بخبرات منهج معين،ويتوقع أن يستوفي مستوي تمكن تعليمي حدد مسبقاً .
وإدارة الجودة الشاملة تعتمد على تطبيق أساليب متقدمة لإدارة الجودة وتهدف للتحسين والتطوير المستمر وتحقيق أعلى المستويات الممكنة في الممارسات والعمليات والنواتج والخدمات.
وتشير الجودة الشاملة في المجال التربوي إلى مجموعة من المعايير والإجراءات يهدف تنفيذها إلى التحسين المستمر في المنتج التعليمي، وتشير إلى المواصفات والخصائص المتوقعة في المنتج التعليمي وفي العمليات والأنشطة التي تتحقق من خلالها تلك المواصفات، والجودة الشاملة توفر أدوات وأساليب متكاملة تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية.
وحظي موضوع الجودة الشاملة في التربية والتعليم بالاهتمام ، وأقيمت من أجله الورش وعقدت الندوات، فالاهتمام بإدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية لايعني أنها تخطط لجعل المؤسسات التعليمية وخصوصا المدارس والجامعات ،منشآت تجارية أو صناعية، تسعى إلى مضاعفة أرباحها عن طريق تحسين منتجاتها، ولكن ما ينبغي أن نستفيد منه كمدخل في إدارة الجودة الشاملة للتعليم ،لتطوير أساليب الإدارة التعليمية تحقيقاً لجودة المنتج التعليمي، وسعيا إلى مضاعفة إفادة المستفيد الأول من كافة الجهود التعليمية وهو المجتمع بكل مؤسساته وجماعاته وأفراده في مجال التعليم.
بعض مبررات تطبيق نظام إدارة الجودة الشاملة ومنها:-
1ـ ارتباط الجودة بالإنتاجية.
2ـ اتصاف نظام الجودة بالشمولية في كافة المجالات.
3ـ عالمية نظام الجودة ، وهي سمة من سمات العصر الحديث.
4ـ عدم جدوى بعض الأنظمة والأساليب الإدارية السائدة في تحقيق الجودة المطلوبة.
5ـ نجاح تطبيق نظام الجودة الشاملة في العديد من المؤسسات التعليمية.
6- تدني مستوى السلع ، وعدم وجود معايير وأهداف أدائية واضحة.
7- سوء إدارة العمليات الصغيرة.
8- زيادة وقت القيام بالعمليات ، وزيادة عدد مرات التفتيش،وزيادة عدد الإجتماعات.
9- انعدام روح التجريب،وتفشي روح الإنتقاد واللوم.
[right][justify]