اتخـاذ القـرارات *
إن اتخاذ القرارات هو نشاط إنساني مركب، وتبدأ عملية اتخاذ القرارات بشعور من الشك وعدم التأكد من جانب متخذ القرار حول ما يجب عمله حيال مشكلة ما، وتنتهي باختيار أحد الحلول التي يتوقع أن تزيل حالة الشك وعدم التأكد ، وبذلك تساعد في الوصول إلى حل للمشكلة المطروحة.
أولاً: مفهوم و طبيعة القرار:
إن معنى " قرار" هو اختيار بين بدائل مختلفة، ويتفق هذا المعنى مع طبيعة العديد من المواقف الإدارية، حيث نجد أن المدير دائماً في موقف يطلب إليه أن يختار بديلاً معيناً من بين عدد من البدائل المطروحة أمامه.
ويمكن القول بأن النشاط الأساسي المؤثر على الأداء هو اتخاذ القرارات. هذا ورغم أن الظروف تختلف من قرار إلى آخر اختلافاً جذرياً، فإن جميع هذه القرارات ذات عناصر هامة واحدة، فأولاً: إن متخذ القرار يواجه عدداً من البدائل بخصوص ما يجب القيام به من تصرفات. وثانياً: إن مختلف العوائد أو النواتج تتوقف على نوع التصرف الذي يتم اختياره. وثالثاً: أن كل ناتج للقرار احتمالاً أو فرض حدوث، وقد لا تكون جميع الاحتمالات متساوية لكل ناتج أو عائد من القرار المتخذ. ورابعاً: فإن متخذ القرار ينبغي أن يحدد القيمة أو المنفعة أو الأهمية المرتبطة بكل تصرف بديل ونتائجه.
ثانياً: أنواع القرارات
يمكن تقسيم القرارات المتخذة في المنظمة إلى أنواع مختلفة، ومن زوايا مختلفة، وبذلك تتمثل هذه القرارات في الأنواع الآتية:
أ. القرارات الشخصية و القرارات التنظيمية:
يرى (( شستر بارنارد)) أن الفروق الأساسية بين القرارات الشخصية والقرارات التنظيمية أن القرارات الشخصية تخص المدير فرد وليس كعضو في التنظيم الإداري، وبذلك فإن القرارات الشخصية لا يمكن تفويضها للآخرين، بينما أن القرارات التنظيمية يمكن غالباً – إن لم يكن دائماً – تفويضها، وبذلك فالمدير يتخذ القرارات الشخصية التي تعمل على تحقيق الأهداف الشخصية، ويتخذ القرارات التنظيمية التي تهدف لتحقيق الأهداف التنظيمية، وأحياناً قد تتوافق كل من القرارات الشخصية والقرارات التنظيمية، ويسهل اتخاذ أحدهما لتحقيق أهداف الأخرى، وأحياناً لا يتوافق نوعي هذين القرارين وتعيق إحداهما الأخرى.
ب. القرارات الرئيسية و القرارات الروتينية:
يرى ((ماكفار لاند)) أن القرارات الفريدة، و قرارات المرة الواحدة أو المرات المحدودة، و التي تتضمن التزامات طويلة الأجل ذات دوام نسبي ودرجة كبيرة من الأهمية، بحيث أن أي خطأ قد يضر بالمنظمة ضرراً بليغاً.
ونجد أن القرارات الروتينية في الطرف العكسي للقرارات الرئيسية، حيث هي قرارات " كل يوم " ولها صفة التكرار، كما أن لها تأثيراً كبيراً على المنظمة ككل، ومع ذلك فإنه – يضم النوعين معاً – يمكن أن تلعب القرارات الروتينية دوراً هاماً في نجاح المنظمة، ومن الواضح أن هناك نسبة كبيرة جداً من القرارات المتخذة في المنظمة قرارات روتينية ( يقدرها الخبراء بنسبة 90% ) كما نجد أن معظم هذه القرارات الروتينية تتخذ في المستويات الدنيا، حيث أن المشرف في خط الإشراف الأول تكون جميع قراراته روتينية، بينما أن رئيس مجلس الإدارة يتخذ قرارات روتينية بشكل محدود للغاية، وفي نفس الوقت يتخذ قرارات رئيسية بصورة كبيرة جداً.
وأن تقسيم القرارات إلى رئيسية وقرارات روتينية لا يعني عدم أهمية أحد النوعين وأهمية الآخر، ولكن الفروق هي فروق في الدرجة فحسب، حيث ينبغي التفكير في النوعين باعتبارهما طرفين لخط بياني واحد، وبالإضافة إلى العوامل السائدة في المنظمة (عوامل تنظيمية) يوجد أيضاً عوامل شخصية هي التي تحدد ما إذا كان القرار رئيسي أو روتيني، ونجد أن الخبرة والدافعية والشخصية لها دخل في نوعية القرار الذي سيتخذه، فنجد أن المدير في المستوى الإداري الأدنى قد يواجه بقرار روتيني قد يحوله إلى قرار رئيسي له تأثير دائم على المنظمة ككل.
ج. القرارات الفردية و القرارات الجماعية:
القرارات الفردية هي القرارات التي ينفرد المدير باتخاذها دون أن يشارك أو يتشاور مع المعنيين بموضوع القرار، ويعكس هذا النوع من القرارات الأسلوب البيروقراطي والتسلطي في الإدارة.
أما القرارات الجماعية فهي ثمرة جهد ومشاركة من جانب متخذ القرار مع أولئك المعنيين بموضوع القرار، ويمثل هذا النوع من القرارات الأسلوب الديمقراطي في الإدارة.
د. القرارات في ظروف التأكد والمخاطرة وعدم التأكد:
يتم في هذا التقسيم تقسيم نماذج القرارات حسب درجة التأكد، ويتراوح مقياس التأكد ما بين التأكد الكامل Complete Certainty وعدم التأكد الكامل Complete Uncertainty مروراً بظروف المخاطرة Risk والشكل الآتي يبين تصنيف هذه النماذج:
اتخاذ القرارات في ظل التأكد الكامل اتخاذ القرارات في ظل المخاطرة اتخاذ القرارات في ظل عدم التأكد الكامل
تأكد كامل عدم تأكد كامل
درجات التأكد
شكل
يبين تصنيف القرار تبعا لدرجات التأكد و المعرفة
وبالنسبة للقرار المتخذ في ظل ظروف التأكد الكامل Decision Under Complete Uncertainty نجد أن كل المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار تكون معروفة بتأكد كامل Complete Certainty مع وجود استقرار وعدم غموض والتباس، وبالتالي تكون النتائج مضمونة ومؤكدة كذلك.
أما القرارات المتخذة في ظل ظروف المخاطرة Decision under risk يكون احتمال حدوث كل حالة معروفاً أو يمكن تقديره، وبذلك يستطيع متخذ القرار تحديد درجة المخاطرة في قراره بدلالة التوزيعات الاحتمالية، وبذلك يكون المدخل المناسب لاتخاذ القرار في ظل المخاطرة هو استخدام مفهوم القيمة المتوقعة.
أما اتخاذ القرار في ظل ظروف عدم التأكد الكامل Decision under Complete Uncertainty يعتبر أكثر صعوبة في اتخاذ القرار في ظل ظروف التأكد التام أو المخاطرة، حيث تتخذ القرارات في ظل الظروف غير المؤكدة على أساس من الغموض الكامل حيث لا تتوافر معلومات كافية وصحيحة وبالتالي فإن النتائج المتوقع الحصول عليها من هذا النوع من القرارات تكون غير مؤكدة، بل ولا يمكن صياغتها على شكل توزيع احتمالي ولذا ينبغي على الإدارة تحاشي اتخاذ قرارات في ظل ظروف غير مؤكدة لأنه يمكن أن تؤدي إلى كارثة للمنظمة، وبذلك فإن هذا الموقف غير مرغوب فيه، ولكن قد لا يمكن تحاشيه لذا فإنه ينبغي البحث عن معلومات مناسبة تسمح بالانتقال من حالة عدم التأكد الكامل هذه إلى حالة المخاطرة ليمكن اتخاذ القرار المناسب، وبالطبع فإن الإدارة تطمع في الحصول على المزيد من المعلومات وعلى النحو الصحيح للانتقال إلى حالة التأكد إن تيسر ذلك.
هـ. القرارات المبرمجة و القرارات غير المبرمجة: Programmed and Nonprogrammed Decisions
يمكن تقسيم القرارات إلى قرارات مبرمجة بالكامل وقرارات غير مبرمجة بالكامل، وبالنسبة للقرارات المبرمجة بالكامل يمكن غالباً هيكلتها، حيث توضح تفصيلاً طريقة تناول ومعالجة المشاكل الروتينية والمتكررة والمعروفة، ولذا نجد أن ظروف القرارات المبرمجة مؤكدة تماما،ً أما القرارات غير المبرمجة فنجد أنها تتعامل مع مشاكل جديدة وغير معروفة وبذلك يستحيل حلها باستخدام الأساليب الروتينية – ولذا فإن ظروف القرارات غير المبرمجة غير مؤكدة على الإطلاق.
وبالنسبة للقرارات المبرمجة نجد أن متخذ القرار يستخدم عادة قواعد وسياسات معينة في اتخاذها، ولذا فإن الإجراءات الروتينية والمحددة سلفاً هي التي تتحكم في اتخاذها، وبذلك فإن برمجة هذه القرارات تماثل برمجة الحاسبات الآلية حيث أن (ب) تحدث عندما تقع ( أ )، فمثلاً لو كانت سياسة المنظمة هي منح الفرد إجازة مرضية مدفوعة الأجر لمدة عشرة أيام فإذا لم يكن الفرد قد استنفذ هذه الإجازة فمن حق الموظف أخذ ما يقابل هذه نقداً، و لذا فإن الأمر – وفقاً لهذه السياسة – لا يتعدى الرجوع إلى ملف الموظف لحسم الأمر، وبحيث يمكن تبين مدى استحقاقه للمبلغ المستحق من عدمه، مما يعني أن هذا القرار مبرمج لأن السياسة هي التي تقرر ذلك.
أما بالنسبة للقرارات غير المبرمجة نجد أن المدير يستخدم الحكم والتقدير لاختيار بديل ما من البدائل المتاحة، وبذلك تعتمد فعالية هذا القرار على كفاءة متخذ القرار، حيث يتطلب اتخاذه درجة عالية من التأمل والحكمة والتي لا تتطلبها القرارات المبرمجة، كما نجد أن للقرارات غير المبرمجة درجات مختلفة، فكلما كانت القرارات أكثر تعقيداً و كلما زادت درجة عدم التأكد كلما أصبحت غير مبرمجة واحتاجت إلى قدر أكبر من الحكم والتقدير.
وتختار العديد من المنظمات مديريها على أساس مقدرتهم على اتخاذ قرارات فعالة غير مبرمجة، نظراً لأن القرارات غير المبرمجة تؤدي إلى نتائج كبيرة وبعيدة المدى على المنظمة، ولأنها ذات تأثير أكبر على المنظمات بالمقارنة بالقرارات المبرمجة.
وأحياناً قد يتعامل بعض المديرين مع القرارات التي يمكن برمجتها كما لو كانت قرارات غير مبرمجة، فمثلاً قد يفشل بعض المديرين في إمكانية عدم قيام مساعديهم باتخاذ القرارات أو قد يفشلون في تحديد الإجراءات اللازمة لاتخاذ القرارات الصغيرة، وبذلك فإن الفشل في تحديد القرارات التي يمكن برمجتها يمكن أن يؤدي إلى ضياع وقت و جهد المديرين الأكفاء.
والشكل الآتي يوضح العلاقة بين التأكد والهيكل بالنسبة للقرارات:
القرار المبرمج القرار غير المبرمج
شكل
يبين درجات التأكد و عدم التأكد المرتبطة بنوعية القرارات
ثالثاً: مراحل وخطوات اتخاذ القرارات
إن عملية اتخاذ القرارات معقدة جداً، وأن فهم هذه العملية لا يعني أنك ستتحول أتوماتيكياً إلى متخذ قرار فعّال، حيث أن اتخاذ قرار فعّال يتوقف على عدة عوامل تتضمن –ضمن ما تتضمن- الذكاء والمعرفة بالصناعة أو الشركة التي تصل بها، ومع ذلك فإن هذا الفهم سوف يجنبك على الأقل تحاشي الأخطاء التي تقود إلى اتخاذ قرارات غير فعالة.
ويتم اتخاذ القرارات على مراحل، وقد يسقط متخذ القرار بعض هذه المراحل ويقصرها على عدد أقل، ويبين الشكل التالي هذه المراحل.
شكل
يبين مراحل و خطوات اتخاذ القرارات
و سوف نتعرض بالشرح لكل مرحلة:
أ. الحادث المنبه:
نجد أنه يقد يقع حادث ما يمثل حافزاً يدفع الفرد نحو الدخول في عملية اتخاذ القرارات، وقد يكون هذا المنبه هو وجود فجوة في الأداءPerformance Gap أو قد يكون فجوة في الفرصةOpportunity Gap، ونجد أن الأفراد متخذي القرارات يختلفون تماماً في مدى استجابتهم للحادث المنبه.
ب. تعريف المشكلة:
إن اتخاذ القرارات إما أن يكون ضياعاً للوقت أو الوسيلة المثلى للمدير لحل مشكلة استخدامه لوقته، ومن الناحية العملية لا يمكن لأي مشكلة في الحياة –سواء في المنظمة أو في غيرها- أن تقدم نفسها لكي يتم اتخاذ قرار بشأنها، ومعاً يظهر في البداية ومن أول لحظة هو عناصر المشكلة والتي تمثل أعراض لهذه المشكلة – وعادة تكون هذه الأعراض الظاهرة على السطح هي أقلها كشفاً عن جذور المشكلة.
فالإدارة مثلاً قد تجد أن هناك صراعاً بين عدد من الأشخاص، ولكن المشكلة الحقيقية قد تكمن في وجود هيكل تنظيمي ضعيف، وقد ترى الإدارة أن هناك مشكلة تنظيمية، ولكن تتمثل المشكلة الحقيقية في عدم وضوح الأهداف الموضوعة.
ولذا فإن الوظيفة الأولى في اتخاذ القرارات هو الوصول إلى المشكلة الحقيقية وتحديدها تماماً، ولكن أسوأ النصائح وأكثرها ضياعاً للوقت هو التحديد السريع لحقيقة المشكلة دون التعرف الصحيح عليها.
هذا ولا يمكن الحل في تحديد حقيقة المشكلة فيما يسمى بالتشخيص للأعراض وهي الطريقة المستخدمة بواسطة معظم المديرين حيث يعتمد ذلك على الخبرة أكثر منه على التحليل الذي يمكن من خلاله وحده تحديد المشكلة في المنظمة حيث لا يمكن أن تأخذ المنظمة المريضة إلى عيادة وتعرضها كحالة أمام الطلبة كما مع المرضى من البشر ويصعب التأكد مما إذا كان المدير أصبح لديه الخبرة ما يمكنه من التشخيص الصحيح للمشكلة التي تواجهها المنظمة، ورغم ذلك فإن المدير عليه التأكد من أن الأعراض موجودة، ولكن قد نجد أن العديد من المشاكل المختلفة تفرز نفس الأعراض، وأن نفس المشكلة توضح نفسها بطرق عديدة ولا نهائية، ولذا فإن على المدير أن يحلل المشكلة أكثر من تشخيصها.
هذا الوصول إلى تعريف المشكلة ينبغي البدء بالتعرف على " العامل الحاسم" وهو " العامل أو العوامل" التي ينبغي تغييرها في الموقف قبل تغيير أو تحريك أي شيء آخر وإيجاد " العامل الحاسم" من خلال التحليل المباشر للمشكلة ليس أمراً سهلاً، ويمكن استخدام مدخلين مساعدين في هذا الخصوص، وهما تطبيقات لمبدأ يتم إعداده بواسطة أساتذة الطبيعة التقليديين في القرن الثامن عشر، وذلك بعزل العامل الحاسم: والمبدأ هو " الحركة الفعلية" Virtual Motion وأحد المدخلين يفترض بأن لا شيء على الإطلاق سيتغير أو سيتحرك، ويسأل ماذا سيحدث حينئذ؟ والمدخل الآخر يسقط على الماضي ويسأل ماذا كان يمكن عمله أو لم يتم عمله في الوقت الذي بزغت فيه المشكلة، والذي أثر فعلاً على الموقف الحالي؟
ج_ تكوين المشكلة:
بفرض أن (س) من العاملين في مستوى الإدارة الوسطى في المنظمة لم يرق خلال الأربع سنوات الأخيرة، رغم أن زملاءه حققوا ترقيات كبيرة خلال نفس الفترة، وهذا يمثل حادث منبه، وتعريف المشكلة لهذا الشخص وأصابه بالقلق و الاهتمام ، وبدأ هذا الشخص يبحث عن سياسة الترقية في تلك المنظمة، واكتشف أن سنتين فقط يمثلان متوسط فترة الترقية في ذلك المستوى، وحيث أن (س) لم يرق في الأربع سنوات الأخيرة فقد تصل إلى نتيجة مفادها أن هناك فجوة في الأداء .وقد تمتد مرحلة البحث عن المعلومات لهذا الشخص إلى الحديث مع رئيسه، وكذا مع أقرانه، وقد يتناقش مع أفراد أسرته بشأن ما إذا كان لديهم رؤية أو حل لهذه المشكلة، وبالتدريج نجد أن بحثه عن المعلومات سوف يقدم له ذخيرة غنية من المعلومات. وباستخدام تلك المعلومات قد يجد (س) أن هناك عدة أسباب لعدم الترقية ومن تلك الأسباب ما يلي:
- أن أداءه في العمل قد تدهور في السنتين الأخيرتين.
- أن رئيسه المباشر لا يحبه.
- أنه قد يقوم بأداء فذ لكن رئيسه المباشر لا يريده أن يفقده، لذا فإنه يجمده في هذه الوظيفة.
- أن المنظمة قد لا يكون لديها وظيفة متاحة يمكن إن ترقى إليها.
و في ضوء هذه المعلومات قد يستطيع هذا الفرد أن " يكون المشكلة" في أنها تتمثل في علاقته مع رئيسه المباشر خاصة إذا كانت الأسباب الأخرى لا تبدو منطقية له و لذا يقر هذا الفرد أن سبب المشكلة هي علاقته السيئة برئيسه المباشر، و أن هذا الرئيس قد أوصى بعدم ترقيته.
د. تحليل المشكلة:
يتم تحليل المشكلة من خلال تقسيمها والوصول إلى الحقائق، ومن الأهمية بمكان تقسييم المشكلة بغرض معرفة من الذي يجب أن يتخذ القرار؟ ومن الذي ينبغي استشارته عند اتخاذه؟ ومن الذي يجب إبلاغه بالقرار المتخذ؟ وبدون هذا التقسيم المسبق فإن فعالية القرار المتخذ في النهاية سوف تقل كثيراً، لأنه بهذا التقسيم وحده من الذي عليه أن يفعل ماذا لكي يمكن أن يكون القرار فعالاً؟ وللتقسيم أربعة مبادئ منها أولاً- مستقبلية القرار (المتمثلة في حدود الوقت والتي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق نتائج معينة والسرعة التي يمكن بعدها يبطل القرار المتخذ)، وثانيها أثر القرار المتخذ على مجالات ووظائف أخرى، وثالثها – عدد الاعتبارات النوعية والتي تدخل في اتخاذه، و أخيراً هل هذا من القرارات الفريدة والقرارات المتكررة The Uniqueness or Periodicity ، وسوف يؤدي هذا التصنيف وحده بأن هذا القرار سوف يسهم في تحقيق صالح المنظمة ككل أكثر منه يحل أو يسهم في حل المشكلة المباشرة أو المحلية على حساب المنظمة ككل، لأن التقسيم المقترح يصنف المشاكل على أساس علاقتها وارتباطها بكل من أهداف المنظمة ككل وبأهداف الجزء الذي يسأل عنه مدير في موقع معين، ولذا فإن هذا التقسيم يضطر المدير لمعرفة مشكلته من وجهة نظر المنظمة ككل.
هذا ونجد أن " أحصل من الحقائق" هو أول أمر في معظم أدبيات اتخاذ القرارات، ولكن ذلك لا يمكن أن يتحقق قبل التعرف على المشكلة وتقسيمها وتحليلها، حيث قبل ذلك لا يمكن لأي فرد أن يعرف الحقائق ، ولكن الشخص قد يعرف فقط البياناتData ، والتعرف على المشكلة وتقسيمها هما اللتان تحددان أي البيانات التي تكون مشوقة ولكنها غير مناسبة، حيث تمكنه من معرفة أي المعلومات صحيحة وأيها مضلل.
ويعد الحصول على الحقائق يسأل المدير نفسه ما هي المعلومات التي احتاجها لهذا القرار؟ حيث عليه أن يحدد مدى سلامة البيانات التي في حوزته، حيث عليه أن يحدد المعلومات الإضافية التي يحتاجها، وأن يبذل قصارى جهده للحصول عليها.
وهذه الأمور ليست أموراً ميكانيكية حيث أن المعلومات بذاتها تتطلب تحليلاً يحتاج إلى مهارة وإبداع، هذا وأن "الحصول على الحقائق" هو جانب واحد فقط من هذه المهمة، حيث من الأهمية كذلك استخدام هذه المعلومات كوسيلة لاختيار سلامة هذا المدخل ككل.
هذا ونجد أن المدير لن يكون قادراً على الحصول على جميع الحقائق التي ينبغي أن يحصل عليها، ونجد أن معظم القرارات تتم على أساس من المعلومات غير الكاملة، إما بسبب أن المعلومات غير متاحة أو بسبب أن الحصول عليها سيكلف كثيراً سواء من حيث الوقت أو المال اللازم للحصول عليها، ولاتخاذ قرار سليم ليس من الضروري توافر جميع الحقائق، ولكن من الضروري معرفة مقدار المعلومات الناقصة، وذلك لتقدير مقدار المخاطر الكامنة في القرار، وكذا درجة الدقة والصلابة الكامنين في مسار القرار المتخذ، حيث لا يوجد أمر مضلل مثل محاولة اتخاذ قرار سليم على أساس من المعلومات السيئة وغير الكافية، وعندها يتعذر الحصول على المعلومات فإنه يمكن القيام بالتخمين، ويمكن التأكد من سلامة التخمينات من عدمه من الأحداث التي تقع فيما بعد، أو يقوم أفضل متخذ للقرار بتطبيق القول القديم للأطباء وهو " أن أفضل من يشخص المرض ليس هو الذي يقوم بأكبر عدد من التشخيصات السليمة، ولكنه هو الذي يكتشف مبكراً –ويصحح- أخطاء تشخيصه"، ولكي يقوم المدير بذلك فعليه أن يعرف موقع المعلومات الناقصة والتي قد تجبره على التخمين، وعليه أن يعرف المجهول.
هـ. تحديد الحلول البديلة:
لا يوجد قاعدة ثابتة لوضع عدد من الحلول البديلة لكل مشكلة، وإلا كان هناك خطر الوقوع في فخ "هذا –أو ذاك" وسوف يحتج الكثير من الناس عندما يقال لهم شخص ما " أن كل شيء في العالم إما أخضر أو أحمر"، و لكن معظمنا يقبل يومياً أمور –بل ويتصرف بناءً عليها- باعتبار أنها أمور لا تنافي العقل والمنطق مثقال ذرة، ومن الأمور الواضحة للعيان هو الخلط بين متناقضات حقيقية – مثلاً ما بين الأخضر وغير الأخضر- وتتباين ما بين اثنين فقط من بين عدة احتمالات –مثل التباين ما بين الأخضر والأحمر مثلاً، ويزداد الخطر من خلال الميول البشرية التي تركز على التطرف أو الحدود القصوى Extremes ، ونجد أن جميع الألوان يعبر عنها في " الأسود والأبيض" ولكنها ليست جميعها داخلة في هذين اللونين، ومع ذلك فعندما نقول " أبيض أو أسود" فإننا نميل للاعتقاد بأننا أشرنا إلى السلسة كلها لأننا ذكرنا ببساطة حدودها القصوى.
وأن الحلول البديلة هي الوسائل الوحيدة لرفع الافتراضات الأساسية إلى مستوى الوعي بها، وإجبار أنفسنا على فحصها واختبار سلامتها، ولا تعتبر الحلول البديلة ضماناً للحكمة أو القرار السليم، ولكنه على الأقل يمنع أن ما نعتبره القرار الخطأ هو ما فكرنا في المشكلة من خلاله.
كما أن الحلول البديل وهي أدواتنا لتجنيد وتجريب الخيال والتصور من جانب المديرين، كما أنها قلب "الطريقة العلمية" وهي من صفات العالم المتميز والذي دائما ما يهتم بالتوضيحات البديلة دون النظر إلى مدى شيوع أو انتشار الظاهرة محل النظر والبحث.
هذا وبالطبع فإن البحث عن بدائل لا يخلق رجلاً بخيال خصب كان يفتقده من قبل، ولكن معظم الناس لديهم خيال أخصب مما استخدموه من قبل، والأعمى لا يمكن أن يرى، ولكن من الغريب أننا قد نجد شخصاً بصيراً و لكنه لا يرى، ولكنه يمكن أن يدرك ويعي أموراً كثيرة من خلال التدريب المنظم على الرؤية، وبالمثل نجد أن رؤية البصيرة يمكن تدريبها وتنظيمها وتنميتها، وأن الطريقة السليمة لتحقيق ذلك هي البحث المنظم وتنمية وضع حلول بديلة لمشكلة ما.
هذا وتختلف طبيعة البدائل حسب طبيعة المشاكل، ولكن هناك حل وحيد ينبغي أخذه دائماً في الاعتبار، وهو عدم اتخاذ أي إجراء أو القيام بأي تصرف على الإطلاق.
وعدم اتخاذ إجراء ما يعني عدم اتخاذ قرار، وذلك مثل القيام بتصرف ما، ولكن قليل من الناس هم الذين يدركون ذلك، حيث يرون أن تحاشي اتخاذ قرار غير سليم يكون بعدم القيام بشيء على الإطلاق، والطريقة الوحيدة لإقناعهم بعدم خداع أنفسهم هو التعرف على النتائج التي تنتج من قرار المتخذ بعدم اتخاذ إجراء في مقابل القيام بتصرف ما.
هذا ونجد أن التصرف في المنظمة يماثل القيام بجراحة في الجسم البشري، حيث يعني أن على الناس تغيير عاداتهم، و طريقة أدائهم لأعمالهم، وعلاقاتهم مع بعضهم البعض وأهدافهم وأدواتهم، وحتى لو كان التغيير محدوداً فهناك أيضاً خطر الصدمة، وغير أن الكيان السليم سوف يتحمل هذه الصدمة عن ذلك المريض، كما أن معنى سليم أو صحيح بالنسبة للمنظمة يعني مقدرة المنظمة على قبول التغيير بسهولة وبدون متاعب، وفي نفس الوقت فهي علامة على الجراح البارع الذي لا يقوم بجراحة دون ضرورة. هذا والاعتقاد بأنه ينبغي القيام بتصرف في مواجهة المشكلة هو في حد ذاته خرافة كبيرة.
و. تقييم البدائل والاختيار:
لو عدنا إلى مثال رجل الإدارة الوسطى (س) سنجد أنه يطرح عدة حلول لمشكلته، تتمثل بعض من تلك الحلول فيما يلي:
- تركه العمل فوراً و البحث عن عمل في مكان آخر.
- البقاء في المنظمة إلى أن يجد عملاً آخر.
- مناقشة المشكلة مع رئيسه المباشر ومع المستويات الإدارية الأعلى مع إخبارهم بأنه سيترك العمل إن لم يتم ترقيته في القريب العاجل.
ومع تلك الحلول الممكنة قد يستبعد (س) بديل إخبار رؤسائه أنه سيترك العمل إن لم يتم ترقيته، حيث أن مثل هذا التهديد قد يجعلهم في موقف دفاعي بحيث يصرون على تسريحه أكثر من ترقيته، كما أن (س) قد يكون في موقف حرج إذا لم يتمكن فعلاً من ترك العمل ولذا فقد يرى (س) أنه من المناسب عدم مخاطبة رؤسائه بلهجة تحمل في ثناياها التهديد
ز. التخطيط الطارئ والتنفيذ:
يقد ينفذ المدير (س) خطته بمناقشة موقفه مع رؤسائه، وهذا التصرف سوف يقدم له معلومات ستساعده في اتخاذه لقراره، وقد يدرك (س) أنه لم يحدد أسباب مشكلته بشكل صائب، وأنه لن يتم ترقيته على الإطلاق، وقد يدرك أن فرصته في الترقي خلال سنة فرصة كبيرة.
ومع استخدام المعلومات التي حصل عليها من مناقشة موقفه مع رؤسائه، قد ينشغل (س) بخطة طارئة أو عارضة حيث إذا وجد نفسه في موقف سيئ فقد يبدأ البحث عن عمل في مكان آخر، وقد يتضمن هذا الموقف البقاء في المنظمة أثناء البحث عن وظيفة، حيث قد لا يحصل على عرض مرضي في مكان آخر، وقد يحتاج بالتالي إلى وظيفته الحالية حتى بعيوبها ومشاكلها.
وهذا المثال الذي تمثل في عدم إرضاء المدير (س) عن إمكانية ترقيته يتضمن جميع الخطوات التي تتضمن اتخاذ قرار فعال، وهي:
- أن الحادث المنبه يدفع الأفراد إلى التعرف على فجوة الأداء أو فجوة الفرصة.
- البحث عن المعلومات وتعريف المشكلة.
- تكوين المشكلة وتحليلها.
- تقييم البدائل والاختيار.
- التخطيط الطارئ والتنفيذ.
المرحلة الرابعة: التوصل إلى أفضل الحلول
يمكن للمدير أن يحدد أفضل الحلول، ولو قام بجهد مناسب فإنه يكون أمامه بدائل للاختيار من بينها والتي يمكن لكل منها أن يحل المشكلة أو أن يكون لديه عدداً كبيراً من الحلول والتي تكتنفها أوجه القصور والعيوب ولكنها تختلف فيما بينها بالنسبة لهذه العيوب، وينذر وجود المواقف التي يوجد بها حل واحد فقط، هذا وهناك أربعة معايير لاختيار أفضل الحلول، وهي:
1. المخاطرة: حيث على المدير أن يقدر مخاطر كل تصرف في مقابل المكاسب المتوقعة. حيث لا يوجد " تصرف" بدون مخاطر، وكذا لا يوجد " عدم تصرف" بدون مخاطر، ولكن ما يعنينا أكثر هو ليس المكاسب المتوقعة ولا المخاطر المحتملة، ولكن ما يعنينا هو النسبة بينهما، وبذلك فكل بديل ينبغي أن يتضمن تقييما للمميزات الترجيحية له.
2. الاقتصاد في الجهد: حيث يجب تحديد أي من التصرفات والتي يمكن أن تعطي أفضل النتائج بأقل الجهود، والتي تحقق التغيير المطلوب بأقل إزعاج ممكن للمنظمة حيث قد يستخدم العديد من المديرين بندقية اصطياد الفيل لاصطياد العصافير.
3. التوقيت: فلو كان الوقت يتسم بأنه عاجل فإن التصرف ينبغي أن يخدم ذلك الموقف بما يوحي أن هناك حاجة إلى جهد طويل ودائم، فإن البداية ستكون بطيئة لتجميع الزخم الذي قد يكون مطلوباً، وفي بعض المواقف نجد أن الحل ينبغي أن يكون نهائياً كما يجب أن يرفع رؤية المنظمة إلى مجال جديد لأهداف جديدة، وفي مواقف أخرى فإن ما يعنينا أكثر هو بداية أول خطوة، وأن الهدف النهائي سيتم حجبه وعلى نحو غامض في الوقت الحاضر.
4. قيود الموارد: من أهم الموارد المقيدة مورد العنصر البشري الذي سينفذ هذه القرارات، ولا يمكن أن يكون هناك قرار أفضل من البشر الذين سيقومون بتنفيذه، وأن رؤيتهم، وكفاءتهم ومهارتهم وفهمهم كل ذلك هو الذي يحدد ماذا يمكن أن يفعلوا، وما لا يمكن القيام به، وقد يكون هناك تصرف يتطلب صفات وإمكانات أكثر مما يحوزون الآن، ولكنه يعتبر بالفعل البرنامج الوحيد الصحيح، ولذا فإنه ينبغي بذل الجهود في سبيل القرار بغرض رفع مقدرة ومستوى العاملين، ولهذا كان ذلك صحيحاً إلا أن الإدارة تتخذ كل يوم قرارات وتطور إجراءات وتقدم سياسات دون أن تسأل نفسها سؤالاً مهماً: هل لدينا وسائل لتنفيذ ذلك؟ وهل لدينا العنصر البشري القادر على تنفيذ ذلك؟
هذا ولا ينبغي اتخاذ القرار الخطأ بسبب أننا نفتقد الأفراد والكفاءات الذين يستطيعون تنفيذ القرار الصحيح، حيث ينبغي اتخاذ القرار من بين البدائل السليمة المطروحة لحل المشكلة، ولو كان حل هذه المشكلة يتطلب المزيد من الأفراد القادرين على تنفيذ القرار المتخذ فإنه ينبغي إما تعليم الأفراد الحاليين أو استبدالهم بآخرين ذوي مهارات عالية، حيث أن حل المشكلة على نحو سليم على الورق والفشل في هذا الحل عند الممارسة يكون بسبب عدم وجود العنصر البشري القادر على تحقيق هذا الحل فعلاً أو أنهم غير موجودين في الموقع الناسب لتحقيق هذا الحل على الطبيعة.
ح . كيفية تحقيق فعالية القرار:
و أخيراً فإن أي حل ينبغي أن يكون فعالاً، وهناك الكثير من الوقت الذي يضيع في " بيع " الحلول، ويتضمن ذلك أن كل شيء سيكون تماماً لو أن الأفراد " سيشترون "، حيث من الضروري أن يشترك أفراد آخرون في تطبيق هذا القرار بفعالية، وأن قرار المدير هو القرار الذي يهتم بما سيفعله الناس وما ينبغي أن يفعلونه، حيث يجب أن يعتبرونه قرارهم.
وفي الحديث عن " البيع " نجد أنه يتضمن أيضاً القرار الصحيح الذي يحقق ما يطلبه " المستهلك " ولكن هذا مبدأ غير أمين وسام، فما هو صحيح يتقرر حسب طبيعة المشكلة، حيث الرغبات والأماني وتفتح " المستهلك " قد تكون غير مناسبة، فلو كان القرار صحيحاً فينبغي العمل على قبولهم له سواء كانوا في البداية يرغبونه أم لا.
فلو أنفق الوقت على بيع القرار فلن يتم اتخاذه على نحو سليم، ومن المحتمل ألا يكون فعالاً، وتقديم النتائج النهائية لا ينبغي أن يحظى بالاهتمام رغم تمشيه مع خط القاعدة الأساسية باللغة المنمقة، حيث ينبغي دائما تقديم القرار للناس بلغة يستخدمونها ويفهمونها.
وبذلك فهناك حقيقة هامة هي أن تكون طبيعة القرار الإداري أنه قرار فعًال من خلال تصرفات الناس الآخرين، حيث يقوم متخذ القرار بتعريف المشكلة، ويضع الأهداف، ويصيغ القواعد، ويصنف القرار، ويجمع المعلومات ويحاول أن يجد الحلول البديلة، ويقوم بالتقدير وينتقي أفضل الحلول البديلة، ولكن بالنسبة لحل ما من الحلول لكي يكون قراراً فالمطلوب تصرفاً ما، وذلك لا يمكن أن يقدمه متخذ القرار، حيث ما يمكن عمله فقط هو أن ينقل للآخرين ما ينبغي عليهم عمله، ويدفعهم للقيام بذلك، ومع القيام بالتصرف الصحيح فقط يتم اتخاذ القرار حقيقة.
المصدر
http://www.ngoce.org/content/tm2637.doc